الجمعة، 24 مارس 2023

الهداية الثالثة

الهداية الثالثة

أكاديمية هداية الدولية,الهداية الثالثة

Webالمرتبة الثالثة: الهداية المستلزمة للاهتداء، وهي هداية التوفيق، ومشيئة الله لعبده الهداية، وخلقه دواعي الهدى وإرادته والقدرة عليه في نفس العبد، وهذه الهداية التي لا يقدر عليها إلا الله عز Webالمرتبةُ الثالثةُ: الهدايةُ المُستَلزِمةُ للاهتداءِ، وهي هدايةُ التوفيقِ ومَشيئةُ اللهِ لعَبدِه الهدايةَ، وخلْقُه دواعيَ الهُدى وإرادتَه والقُدْرةَ عليه للعبدِ، وهذه الهدايةُ التي لا Web-(الشبهة الثالثة)-(الشبهة الرابعة)-(الشبهة الخامسة) الفصل الثالث: في إثبات صحة الأحاديث النبوية في كتب الصحاح من كتب أهل السنة والجماعة.-(الفائدة الأولى)-(الفائدة الثانية)-(الفائدة الثالثة) Webفصل: (الهداية الثالثة): فصل: (الهداية الثالثة): الكتـب الفتاوي المحاضرات روائع المختارات من مكتبة التلاوة أحكام تجويد القرآن تفسير القرآن برامج مجانية Webالهداية الثالثة - ذكريات محمد جعفر الأسدي حول الثورة الإسلامية والدفاع المقدس ؛ سادة القافلة - 16 لـ حميد سجادي منش (0) المرتبة: 5, تاريخ النشر: 11/12/ الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية النوع: ورقي غلاف عادي ... read more




لذلك قمنا بوضع فوانيس خافتة الإنارة، مثبّتة بحبال أعلى أشجار النخيل، لتساعد فرق الاستطلاع على تمييز طريق العودة إلى مكان الانطلاق. الالتحام مع العدو، ليعلنوا عن أهدافهم من المواجهة، وللتعريف بأنفسهم، والنيل من معنويات العدو، وبثّ الرعب فيه. واستخدام هذه الطريقة لا يتناسب مع طبيعة الحرب في العالم المعاصر، فالمبارزة حاليًّا تجري من بعيد، وتفصل بين قواتنا وقوات العدو عدة كيلومترات، فلا مجال للصدح بالشعر. بناءً على ذلك، وبعد عدة أيام أبلغوني أنّ بإمكانهم وضع مصابيح، ترسل أضواءً متقطّعة لتحلّ المشكلة، وأحضروا نموذجًا، غير أنه بعد الدراسة تبيّن أنّها تعاني من مشكلتين: الأولى، أنها كبيرة، والثانية: يصعب تشغيلها على البطاريات خلال الهجوم. فوعدوا بنموذج بديل. المتحف الميداني. عندما تولى الأخ محسن رضائي قيادة قوات الحرس، جرى الجمع بين قيادة الحرس وقيادة الحرب، بدت الفرصة سانحة أكثر من ذي قبل لوضع خطط تنفيذ العمليات، وأصبح مجال اتخاذ القرار أسهل وأقصر.


بالغ العناء، لكنه تمّ بفضل الله وشجاعة مقاتلينا الفريدة، وقد فوجئ العدو تمامًا رغم امتلاكه عديدًا يقدّر بثلاثة أضعاف عديدنا، وزد على ذلك، أسلحة ومعدات تساوي أضعاف ما لدينا، لكن قواته تلقّت هزيمة نكراء، وبهذا بلغنا الحدود الدولية بعد أسبوع واحد لأول مرة. يجيب: بنده خدا 1. لأجل هذا طالبوا بتغييره، خاصة أنهم يتّصلون في ظروف الحرب وبعصبية ويحتاجون إلى إجابات جدّية. ويعمل على الالتفاف على قواتنا. كانت جغرافيا منطقة العمليات صعبة، خاض المعتدون قتالًا شديدًا للحفاظ على مواقعهم، واستشهد لنا عدد كبير من الإخوة المقاتلين الأعزاء، ما زاد من الضغط النفسي على القادة والمسؤولين عن الحرب. كل هذه العوامل دفعت الأخ رشيد ليقول بعد هذه العمليات: " لقد شيّبتني عمليات تشذابة ". لواء "النجف الأشرف" بقيادة الأخ أحمد كاظمي. إلا أنّ الإقدام على خطوة تشكيل لواء لكل محافظة جرت بسرعة لتشمل كل المحافظات.


ممن نقلتهم إليه 1. لكنه لم يوفق. وبقيت منطقة واسعة من غرب أنديمشك تحت الاحتلال لمدة 17 شهرًا، من تاريخ العدوان الصدامي حتى نهاية آذار من العام م. عندما وُفِّقنا لتحريرها، كانت نقطة انطلاق لعمليات الفتح المبين. خلال مدة الاحتلال هذه، تحولت معظم مدن محافظة خوزستان إلى مسرح لقذائف المدفعية العراقية. وكنّا ننوي تحريرها قبل تنفيذ عمليات "طريق القدس" في منطقة البستان. ويشير إلى ذلك تاريخ البدء بالاستطلاع وطريقته بحسب وثائق الحرب. لكن الخطة تغيّرت فيما بعد، ونفّذنا عمليات "طريق القدس" حسبما ذكرت أنفًا، وفيما بعد قمنا بحشد الإمكانات اللازمة استعدادًا لتحرير منطقة دشت عباس. الله" صلى الله عليه وآله وسلم بالتعاون مع الإخوة من أهالي طهران، وبقيادة الحاج أحمد متوسليان. وعبورهم من مضيق جبلي ضيق جدًا أمرٌ مستبعد. لكن الإخوة ما لبثوا أن فعلوا ذلك ليلًا، ونجح هجومهم.


إلى درجة أنّه بات رأسماله. مقر الفجر، ورغم تقهقره سريعًا، لكن تموضعنا اختل هناك، وزاد من التردد. رواية الفتح. للعملية هو محاصرة فرق عدة للعدو، ودفع خطوطه الخلفية التي تضم ثلاث عشرة فرقة ولواء. ترجّلنا من السيارة التي أصيبت بعشرات الرصاصات، فقلت للأخ رشيد: " رحم الله والِدَي الحارس لأنه لو رفع سلاحه إلى الأعلى قليلًا لأصاب منّا مقتلًا ". العدو يتوقع أن نهاجمه من محور مغاير خلف مرتفعات "ميشداغ". هذا الهجوم الصاعق الذي انطلق من مضيق "ذليجان" و"الرقابية" ومرتفعات "ميشداغ" تسبّب بتشتيت قوات العدو التي مارست ضغطًا شديدًا على وحدات مقر القدس، وتمكّنت من محاصرة قوات الأخ "خرازي"، إلا أنه رفض الانسحاب والتراجع إلى الخلف، فضلًا عن اختفاء كتيبتين لساعات عدة، لكنهما ما لبثتا أن عادتا إلى ميدان المعركة.


لم يسلم العدو من المفاجآت، فتعرّض من جديد لهجوم مباغت من خلف خطوطه شنّته قوات "مقر الفتح"، وأُسر عميد عراقي سرد لنا ما حدث معه:. وبنهاية المرحلة الثانية من عملياتنا، شنّت قوات العدو هجمات جنونية بكل الاتجاهات، فتصدّت لها الوحدات التي طهرّت المكان منه، وكان أشرس تلك الهجمات يستهدف محور "مقر الفتح"، ومضيق "الرقابية"، حيث وقعت معركة حامية، فشل العدو خلالها في اختراق خطوطنا الدفاعية، أو السيطرة عليها. إن الأسلوب القتالي للعدو خلال المعركة الأخيرة في منطقة انتشار الحرس الثوري الرابعة، أي "شوش - دزفول" امتاز بالخصائص الآتية:. وتوجهوا نحو "برغازه ودو سلك". كذلك لا يمكنني أن أنسى عالم دين فاضلًا كان موجودًا معنا في تلك العمليات، وكلّما تذكرته غمرتني السكينة والهدوء، ولم أعد أذكر اسم عائلته. كان سيدًا من أهل المعنى، يشبه آخرين مثله، لكنّه من القلائل الذين يتركون أثرًا، فعندما يتكلم تلتقط كلامه سريعًا، وتعمل به.


كان يذكر دائمًا قصر العمر، وعدم تعلّق القلب بالحياة، ويقول:. بقيت لمدة أسبوع أقاتل وأؤم الجماعة من دون عمامة وعباءة إلى أن توقف العدوان، عندها ذهبت إلى السوق واشتريت عمامة وعباءة". فراشات اليقين. ذلك بنيّ"، فأشار أحد الحراس إلى أنّ فلاش الكاميرا يؤذي عيني الإمام. عندها أضاء حسن مصباح الغرفة للاستعاضة به عن فلاش الكاميرا، والتقط سريعًا أربع صور، وقعد على الأرض. بين عدد من قادة حرس الثورة الإسلامية، حيث قال بعضهم: "إننا لم نتلقّ التدريب على القيادة والإدارة فكيف نصدر الأوامر ويطيعنا الآخرون؟ لذا، علينا أن نحمل السلاح ونتوجّه إلى الخطوط الأمامية لنقاتل مثل أي جندي آخر". وقال آخرون: "لعلّنا لسنا أهلًا للقيادة، وقد نقف يوم القيامة عاجزين عن تحمل مسؤولية دماء الشهداء". كانوا يشكّون بقدراتهم، ويتردّدون في اتخاذ القرار، علمًا بأنّ هؤلاء القادة كانوا دومًا في الخطوط الأمامية.


من صباح الانتظار إلى ليل الانطلاق. أما فرحتنا فكانت تقتصر على النظر إلى خريطة عمليات "الفتح المبين" الكبيرة، المعلقة على الجدار في غرفة الحرب في مقر القيادة بالغولف، كنّا ننظر إليها بإمعان قبل أن نحوّل أنظارنا إلى خريطة خرمشهر، كنّا نشعر بالراحة والاطمئنان، فنتنفّس الصعداء، ولا سيّما عند النظر إلى العلامات الحمراء التي تشير إلى المناطق المحررة. لقد أراد كل هؤلاء أن تبقى خرمشهر رازحةً تحت الاحتلال، ليتمكنوا من زيادة الدعم لصدام، واستنفاد الآلة الحربية الضخمة التي تستهدف إيران واستهلاكها. لذلك كان صدّام يردّد حينها: "إذا أخذ الإيرانيون خرمشهر، فسنعطيهم مفتاح البصرة". بعد أن عقدنا أحد الاجتماعات، طلب منّي رشيد أن أتوجّه برفقة أصغر كاظمي مسؤول العمليات، لنبحث عن مكان مناسب لمقر قيادة الفتح، تجاوزنا مسافة 50 كلم عن الأهواز باتجاه عبادان، حتى وصلنا إلى أطراف قرية "الخضرية" شرقي نهر كارون، القريبة من منطقة عمليات "الفتح المبين". المتوافر كثيرًا هنا هو الأرض". العقيد "مسعود" 1 قائد الفرقة 92 المدرعة، ونائب الأخ رشيد في المقر بتحريك كتيبة التمويه ليتمكّنوا من نصب تلك الجسور.


بات كل جسر من هذه الجسور الثلاثة جاهزًا - قبل ساعة من بدء العمليات - ليحمل على ظهره 60 طنًّا، كما إنّ الشاحنات التي تحمل الدبابات يمكنها عبوره، لكن مهمة الإخوة النشيطين في الجيش لم تنتهِ. الشجار انطلق. تحقّق تقدّمها. بالوضع، فحمل الجهاز وشرع بالصراخ طالبًا من قادة الوحدات: "انتشروا سريعًا قبل أن يقوم العدو بالالتفاف عليكم ومحاصرتكم، عليكم تغطية خط المواجهة لمسافة 10 كلم! الطعام لم يكن يصل في أوقاته المحددة ولا بكميات كافية، ولا توجد أي فرصة للاستحمام وتجنّب آثار الأتربة والغبار، ولا توجد أماكن للاستراحة، فكانت الأرض فراش الإخوة والسماء لحافهم. تغيرت ملامح الجميع، لم يعد حتى الأصدقاء يعرفون بعضهم بعضًا من قساوة تلك الظروف التي يواجهونها. عندما رأيت خمس طائرات مروحية تحوم على بعد م، أخرجت رأسي من السيارة لأنظر إليها، وقلت لصالح: "هذه طائراتنا لقد اقتربت من العدو كثيرًا، قد يرونها ويطلقون النار عليها بسهولة". وقبل أن أكمل ناداني صالح بصوت يظهر منه الخوف والدهشة: "أخي العزيز، صاروخ، صاروخ، إنها طائرات معادية، وإحداها أطلقت باتجاهنا ".


يحاول فصلها عن جسمه وهو ينادي "يا زهراء"، كان كلّ بدنه ملطّخًا بالدماء، فجمعنا كوفيات وربطنا عضده بها لنوقف النزيف. صعقت من سماع صوته، فنفرت إلى الخلف قليلًا، ثم اقتربت منه ثانية وقلت ضاحكًا:. تحمل اللسع لتذوق العسل. يكن يتصور أننا نريد تحرير كل تلك المناطق فضلًا عن خرمشهر في العمليات ذاتها، بل كان يظن أننا بحاجة إلى عمليات كبيرة للوصول إلى خرمشهر، والسعي لتحريرها، وهذا قد يحتاج حسب الظروف العادية للحروب الكلاسيكية وعقيدة قوات العدو إلى سنة كاملة، ولا يمكن أن يتمّ بعملية واحدة. كان رشيد قلقًا من وجود مقاتل، عديد العدو في خرمشهر، خشية أن يقوموا فجأةً بمحاولة لفك الحصار، بينما لا تزال قواتنا مرهقة. فالإدراك العالي للقائد أرشده إلى تمام الخطة وإلى تحديد موعد الهجوم.


ووجدت أنّ المقاتل هو الذي يرفع معنوياته بنفسه في خضم المعمعة عندما يحتاج للمعنويات. كان الاتصال مستمرًّا عبر الأجهزة مع قيادات الحرس والجيش الموجودة حول خرمشهر، لتلقّي التقارير باستمرار. لقد استُهدفنا من قِبَل قوات العدو، وقواتنا على حدٍّ سواء، بل إن قواتنا كانت أحرص من العدو على إسقاط المروحية، فأصابوها وأُصيب الطيار بيده، وأصيب أحد أطراف المروحية، فاضطر الطيار للهبوط والتخفّي خلف النخيل. أسئلة رشيد كانت جديدة بالنسبة إلي، كان مسرورًا ولم يُبد ذلك. فأجابه الشاب بمرارة: "وهل هذا وقت السؤال عن أصول الدين؟ لا أدري من أين، لكنّي رأيتهم بأم عيني، يخرجون من المدينة زرافات زرافات رافعين أيديهم، ألا يكفي ذلك؟!


ما إن سمع رشيد ذلك، حتى ربّت على كتفي: "أسرع يا أسدي، أسرع ". وثيقة الحاج عمران. تحت إمرته 1. كان معظم مسؤولي اللواء والمقاتلين الذين يشكلون النواة المركزية للواء من أهالي طهران وأصفهان وكاشان وغيرها باستثناء أعداد قليلة، ذهبوا والتحقوا بألوية محافظاتهم، وبدأت عملي في اللواء بمساعدة "أمير علي أميري" و"لطف الله يد اللهي" اللذين كانا من القادة الجيدين والمستعدّين للقتال، من وحدات قوات حرس الثورة لمحافظة فارس. وخلال فترة قصيرة، جرى تزويد اللواء بالمقاتلين من أنحاء محافظة فارس، ومن مدينة بوشهر التي لم تكن تشكّل لواءً خاصًا بها، وهكذا أصبحنا جاهزين للقتال. توجهت نحو الناقلة، وطلبت إيقافها والبقاء في مكانه. فقال لي الحاج أحمد: لا تظنّ أنّني أنوي الفرار، لكنّ الدبابات المعادية تتقدّم بأعداد كبيرة نحونا، وأريد أن أبتعد عنها مسافة كافية لئلّا يستهدفوا ناقلة الجند!


فقلتُ بصوتٍ مرتفع آمرًا: أوقفها ها هنا. الأولى نفذت بالاشتراك مع الجيش، والثانية قامت بها قوات الحرس وحدها، والثالثة أدارها الجيش. كل تلك العمليات اصطدمت بسدٍّ قاسٍ من الموانع والعقبات الكبيرة والمعقّدة التي أعدّها العدو، وعلى الرغم من الانتصارات المحدودة، لم تغير الوضع 1. مترًا، ليحترق كل من يوجد في المكان ويقضي نحبه. الجنوب مؤقتًا على أن نتّجه نحو الغرب لتنفيذ عملية هناك. وتحدّث عن بعض التفاصيل، وحدّد منطقة "حاج عمران" للدخول منها إلى الأراضي العراقية. ولم نكن نجد داخل أكياس الهدايا الشعبية سوى المكسّرات وعلبة سجائر وعلبة كبريت، إلا أنّ وضع الطعام أخذ يتحسّن تدريجيًا مع استمرار الحرب، وصارت كل الوحدات تتناول وجبة طعام ساخنة ظهرًا. أما في غرب البلاد فلم تتوافر تلك النعمة، وإنما كان الشائع أننا نمرّ في مرحلة من العسر والحرج. الشهادة والأحجية. أن يُخرج الضيق من صدره، ويبثّ همومه إلى من يفسح له المجال. تحدث عن مشاكل الحياة، وعن الناس الجبناء الذين لا يهتمون إلا بالنقاش السياسي المحبط، والتكتّل الحزبي الذي لا يجدي، وقد ألصقوا به التهم افتراءً وكذبًا.


كان رجلًا ناضجًا له وزنه، لم يذكر اسم أحد، ولم يُظهر أي انفعال، بل تحدّث باختصار وهدوء. ترك حديثه انطباعًا حلوًا، وأعجبتني شخصيته، فطلبت منه البقاء معنا بعد انتهاء العمليات. ابتسم وقال: "إذا تقبّل الله، وبقيت حيًّا هذه الليلة، فإني أتمنى البقاء معكم". إلى جثته، صرخ سعيد وضرب على رأسه: "آه، أي خطأ ارتكبت!! في ذكرى أربعين استشهاده، حملت الجموع الغفيرة من أهالي "داراب" جنازة حميد إلى روضة الشهداء، ووردَ في أحد مقاطع الوصية التي تُليت في مراسم التشييع فقرةٌ ألهبت مشاعر الحاضرين: " إلهي إني أخجل أن أُحشر يوم القيامة بجسدٍ مكتمل أمام الإمام الحسين بن علي عليه السلام، فإذا أخذتني خذني ببدنٍ مقطّع الأوصال ". عندما أخبرونا في المرة الأولى عن هجوم جويّ سيقع، سألتهم: " كيف تعرفون أن الطيران سيقصف بعد خمس دقائق؟ ". كان مقرّرًا أن يعقد الاجتماع الأخير الذي يسبق بدء العمليات، عندما دخل القادة دخل "عبد الجليل" معهم، لكنه جلس عند الباب بحذائه، ورفض الجلوس معنا على الرغم من إصرارنا عليه. عندها قلت له: "حسنًا اقرأ لنا بعض الآيات من القرآن لنبدأ الاجتماع".


أخذ القرآن وشرع بالقراءة، وبعد خمس دقائق قال له الحاج "مهربان" من أهالي جهرم بصوت عالٍ: "أحسنت". لكنه لم يصغِ له، وأكمل القراءة. إلى أن قال له صالح: "تقبل الله". لكنه لم يصغِ وأكمل. الساتر الترابي، ومن هناك، أشار إليه، كان وسط حقل ألغام مستلقيًا باتجاه القبلة. رحلة الصخور. هل تتحمّل أنت المسؤولية؟". كنّا نبحث عن حلول، في حين غفلنا عن التعبويين الذين قاموا بأنفسهم بإنزال السيارات من القطار. توجهت إليهم فرأيت منظرًا عجيبًا، أخذت أفكّر كيف ننزّل الحاويات الكبيرة، فأخبروني أن أحد الإخوة ذهب إلى "تبريز" ليأتي برافعة على شاحنة. كان يعتقد أن التعرف إلى المنطقة يحتاج إلى ستة أشهر في الحد الأدنى.


لأنه قبل مواجهة العدو علينا أن نواجه الطبيعة الصعبة للمنطقة. وذكر لنا حادثة حصلت قبل أسابيع عدّة، عندما سقط عدد من الجنود إلى الوادي خلال تنقّلهم، ولم يتمكنوا من العثور عليهم. كنت مضطرًّا للتحرك فورًا. في تلك الأيام، توجّهت مع الشهيد "مهدي باكري" لاستطلاع إحدى المناطق. وبعد جمع المعلومات، وصلنا ليلًا إلى مقر أمن لوائنا "المهدي". وفي الصباح، صلّينا وأخذ كل واحد منا رغيفين وعلبتين من الحبوب، وتحركنا مع مرشد من الأكراد يعرف المنطقة لإجراء الاستطلاع أيضًا. كان الشاب الكردي يركض في المرتفعات، بينما أنا ومهدي نسير خلفه ونحن نلهث. وكنا كلّما قطعنا مسافة، نتّخذ من الأسئلة ذريعة لنوقفه ونرتاح، ثم نعود للسير خلفه. جبين مرتضى. الذي تولّى أخيرًا قيادة مقر "الحمزة"، إضافة إلى العميد "صياد الشيرازي"، وذلك للإشراف على العمليات.


كانت إحدى تلك القواعد على هضبة "برد زرد" التي تقع وسط وادي بين مرتفع "كدو" متر عند المحور الجنوبي، ومرتفعات "قمطرة" متر عند المحور الشمالي. وهي تشرف على الممرّ الاستراتيجي لعبور الآليات والسلاح انطلاقًا من مدينة "تشومان مصطفى" إلى هذه المنطقة. استطاعت قوات كتيبة "الفجر" السيطرة على هذه الهضبة منذ الليلة الأولى لانطلاق العمليات، فأسرت عددًا من الأعداء، وأغلقت الممرّ، لكن قامت قاعدتان أخريان بمحاصرة الأخ مرتضى وتسعين فردًا من قواته، وقطعت التواصل بيننا وبينهم. في هذا الوضع الصعب، قرّر الإخوة في كتيبة الفجر الاستمرار بالمقاومة والصمود وعدم الانسحاب. ففي الهجوم الأول للعدو، دمروا شاحنة "إيفا" بمن فيها من الجنود، وشاحنة وذخيرة وسط الطريق، وأغلقوا بذلك الطريق. فأرسلت القوات المعادية جرافة لفتحه، لكنّ الإخوة تمكّنوا من إصابتها فبقيت في مكانها. وبعد ذلك استطاعت قوات "جاويدي" تدمير أي آلية تقترب لفتح الطريق.


وتذهبون للاستراحة". نظرت إليه بتعجب، فقال: " غدًا سنقوم بأمر ما يجبر العدو على ترك المنطقة". الاسم العظيم. الرشاش الثقيل وأن يظلّ مسلطًا نحو الموقع المعادي المقابل، وطلب منهما أن يرشقا ذلك الموقع بطلقات رشّاشاتهما كل بضع ثوان، ثم توجّه مع ثلاثة إخوة آخرين واقتربوا إلى مسافة عشرين مترًا من الساتر المعادي، وتقدّم "دلاور" بنفسه حتى صار على بعد خمسة أمتار من الساتر. في ذلك الوقت، كانت قوات العدو خلف الساتر، توقّيًا للرصاص المنهمر عليها، فحمل "دلاور" الشهيد تلو الشهيد وسلّمهما على التوالي لمرافقيه الثلاثة. عذرًا، كيف يمكنني استبدال أفضل قائد كتيبة عندي بآخر أقلّ قدرة منه؟!


والدته تحدّق بعيون المتحدّثين، وتهز رأسها أحيانًا تصديقًا لكلامهم. تصديق المهندس. آه لما أنت عليه. وسلّمت السلاح إلى الإخوة عندما أُصبتُ، وليلة الهجوم صمتّ ولم أتفوه بكلمة. كل أوامرك التي صدرت عنك كنت أدوّنها في ورقة كي لا أنساها. دائرة الرسالة. بين الإخوة. لذلك، نظر بعضهم إلى بعض بارتياب وتردّد، ومن دون أن يعترضوا، أتوا ليجلسوا معنا تحت العباءة. سأله أحدهم: "مولانا، ألا تعتقد أن هذا تصرف خطير". أجابه الشيخ ضاحكًا: "إذا لم تتوكل فهو خطرْ، تعالَ أخي ودع الوسوسة". بقيت كما هي. خرجنا من المستشفى، فسألته عن سبب إصراره على الاحتفاظ بعمامة أخيه. قال: " إنه يريد وضعها فوق تابوته يوم تشييع جثمانه ليعلم الناس أن عالم الدين مثل سائر المجاهدين في الحرب، وأنّه لم يأتِ للوعظ والإرشاد فقط، بل إنه يقاتل إلى جانب المقاتلين".


لا هذا ولا ذاك. لكن قبل أن نتحرّك في الساعات الأخيرة، تمّ إقرار خطة عمليات "والفجر الرابعة" في مرتفعات "بنجوين"، وكنا جزءًا من الخطة، لذا توجّهنا إلى تلك المنطقة. ذلك من التحضير لعمليات خيبر التي ترتكز على نقل قوّاتنا جوًّا 1 إلى خلف نهر "دجلة" لإغلاق طريق "العمارة -البصرة". كانت هذه المهمة مختلفة تمامًا. كنّا قد سمعنا في الحروب السابقة بعمليات إنزال القوات خلف خطوط العدو عبر نقلها بطائرات مروحية أو طائرات الإنزال الكبيرة. المروحية، وكيفية إنزالها بسرعة والتمكّن من التموضع في أرض العدو. اخترناها، وقرّرنا أن نجمع الكتائب في اليوم الأخير لأشرح لهم خطة العمليات. يبدو أنّ هدف المقاتلات كان يبعد كيلومترين عن مكاننا، حيث تجمعت مروحيات الجيش للبدء بالهجوم، لكن الجو كان ضبابيًا، ولم تتمكن الطائرات المعادية من رؤية المروحيات على ارتفاع منخفض، فرأت مخيّمنا فقصفته. للأسف، لجأنا إلى حماية صواريخ "هوك"، فأضحت هي ابتلاءنا. القنابل الكيميائية، وكانت المسافة الفاصلة بين خطوطنا الأصلية واليابسة بعد الهور تبعد 13 كلم، فشكّلت لنا مشكلة، إن كان على صعيد تأمين الدعم أو مواجهة الهجمات الكيميائية، فضلًا عن قصف المدفعية العراقية الثقيلة.


كل تلك العوامل جعلتنا نكتفي بأن نتموضع في جزر مجنون بصعوبة كبيرة. العراقي باستخدام قنابل قوية جدًا، حفرت خنادق، ففتحت ممرات لتفريغ المياه من الهور إلى اليابسة ليمنعنا من التقدم أكثر. اللوجستي عن قواتنا. حتى عندما استخدمت المروحيات لإعادة المقاتلين، كان بعض منهم يتعلق بسكة المروحية ليعود. الدفاع المقدس لم تعرض أحيانًا بشكل جيد. فبعضٌ عندما يتناول الحالات المعنوية للحرب، ويصف المقاتلين، يبالغ في كلامه إلى درجة يُظهر فيها الجميع وكأنهم جاؤوا مطهّرين ورحلوا مطهّرين، ولم يرتكبوا طوال حياتهم أي خطأ أو معصية. وفي المقابل، نجد هناك محاولات التشويه أحيانًا، حيث ترى في بعض الأفلام أن المقاتلين كانوا متهتكين وغير منضبطين. في كلتا الحالتين، إنّه نوع من الجفاء الفارغ الذي لا يغتفر ولا ينفع، ولا أدري متى سيوضع له حدّ. واسطة إلهية. آلمني هذا الكلام، لذا أتيتك لتجد لي حلًا. اضرب، اضرب، أحسنت، انتبه إلى يمينك" وهكذا كان يتصرّف وكأنّه يقود مجموعة أو فصيلًا. الاطمئنان، فودّعني وعاد إلى شيراز. عوائل الشهداء لا يغادروننا، وأطلب منهم أن يصبروا حتى صباح الغد، لكنهم لا يصغون إلينا! وعندما علم أنّ طلبي من نوع الطلبات نفسها التي تزعجه، قال: "لم أكن لأتوقّع ذلك منك بالتحديد ".


بذلك عينا والدته التي بقيت تنتظره. وكأن الله تعالى قد توسّط له في ذلك أيضًا. المدن الحدودية الكئيبة. تناولنا شيئًا ما وخرجنا. صادفنا محلًا لبيع الألعاب، فاشتريت "بازل" 1 خريطة الكرة الأرضية، واشترى مهدي كرة من القماش لابنته، ثم عدنا إلى المقر، ونسي مهدي الكرة في سيارتي. بدر المهدي! وحضوره الدائم. مستسلمين، فأخذناهم أسرى. قذائف الـ"آر بي جي" خاصّتنا لم تكن تصل إليهم، والرشاشات الثقيلة التي نستخدمها لا تؤثر في الدبابات. ناديت قادة الكتائب وقلت لهم: " إنهم ينقلون الدبابات ليعبروا بها الجسر". أيّد الشهيد "جاويدي" كلامي وقال: "بالفعل، لقد وصلت دبابات عدّة إلى هذه الجهة فدمّرناها، لكنهم لن يتوقّفوا حتى الليل وسيكملون عملهم". الدراجة نحوه ولحقت به، والكل يناديه: "غل تقي"، وقد نسيت اسم عائلته فهو من أبناء منطقة "زرقان فارس". انتبه إلينا قبل أن نصل إليه، سمع صوتنا فتوقف، قلت له: "يا غل تقي إنك تخاطر بحياتك، لأنّ الذخيرة لا تُنقل على هذا النحو! بينما كان الإخوة يتقاطرون ويتحدّثون معًا، تناولت الطعام، وفرشت الخريطة على الأرض لمناقشة ظروف هجوم الليلة، والتوجّه بعدها إلى "رحيم" و"صياد" لتقديم التقرير.


رأسي، فإذا بدماغ أحد الإخوة قد التصق به. خرجت من المتراس، ولم أجد أحدًا حولي. اليوم التالي انسحبت كل الوحدات من منطقة دجلة، ولم يكن ليحصل ذلك لولا خشيتنا من أن نتعرّض لخسائر أكبر. حصة ساقي الماء! تأمين المياه للفرقة. عندما استلمت لواء المهدي كان الأخ "تشمني" منضويًا فيه، والباقون كانوا من أهالي أصفهان و"كاشان"، لكنهم غادروا اللواء بالتدريج، وحلّ محلّهم الإخوة من أهالي محافظة فارس. أتذكر أني زرته بعد انتهاء الحرب، فاستضافني عنده ليلة، قلت لوالدته: "أمي العزيزة، متى ستزوّجين حبيب؟ ". فأشارت إلى سجّادة تُحيكها في زاوية من الغرفة، وقالت: " هذه هي كل ما أملك، عندما أنتهي من حياكتها سأصرف ثمنها على عرس حبيب ". الاعتماد على العين! وركّز نظره في وجهي. في صف الجنة! فسأله أخوه: لمن هذا القصر؟ أجابه إنه للسيد "مهدي باكري" القادم إلينا. خمس سنوات تأخير! لا يستمع إلى حديثنا أحد. أثار ذلك فضولي، حتمًا لديه ما هو مهم ليتصرّف هكذا، وما إن جلست حتى بدأ بالكلام: " إن لكل أرض ثمنًا، ولكل منطقة قيمة، وإنّ من أصول الحرب تحديد أهمية ومكانة الأرض التي نقاتل العدو لأجلها " تحدّث كثيرًا حتى أدرك من نظراتي أني أنتظر أن أسمع أصل الموضوع.


هذه المنطقة التي نعرفها جيدًا، ونذهب إلى منطقة لا ندري ماذا سيحصل فيها". سيبادر إليه العدو. لذا، فإنّ بعض الوحدات قالت: " لن نشارك في المرحلة الأولى، لكن إذا أخذتم الفاو فسنشارك ". مياه البحر إليه أحيانًا أخرى، وعندما يحصل المد يزداد عرض النهر. لذلك اعتبر مهندسو جهاد البناء وقوات الحرس أن وضع جسر على نهر كهذا هو عمل مستحيل. وفريق الاستطلاع كان يواجه وضعًا عجيبًا. وعلينا أن نتصرّف بحذر بالغ بحيث لا يقع لنا أسرى بيد العدو، وأن تكون حساباتنا دقيقة. ففِرق الاستطلاع التي بذلت الجهود المضنية، لم تتمكّن من الذهاب والعودة في توقيت محدّد ودقيق، فسرعة جريان الماء كانت توصلهم إلى أماكن بعيدة عن الأماكن التي يقصدونها. ضفّة النهر لجهة العدو، هي مسلّحة بالأسلاك الشائكة ذات الحلقات الشمسية المفتولة - وهذا ديدنهم- وبقطع الحديد الموصول بعضها ببعض.


وبالحراب المنصوبة داخل المياه لمنع مرور الزوارق واقتراب "الهاوركرافت"، وخلف كل تلك الموانع والعوائق توجد المتاريس المجهزة بالرشاشات الثقيلة. الإخوة من "بوشهر" لمعرفتهم بالبحر، فكان كلامهم مختلفًا ومتفاوتًا وغير متفق، إلى أن جاء أحدهم وقال: "هذا يسمى المد السنوي ". المعجزة المائية. الغواصون الذين بقوا سالمين، عبروا نهر أروند، وواجهوا الأسلاك الشائكة، والموانع الشمسية، والمتاريس الإسمنتية، ووصلوا إلى الشاطئ العراقي. كانوا أكثر راحة مما كانوا يتوقعون. فرؤية العراقيين كانت شبه معدومة، وصوت هطول المطر غطّى الأصوات المنبعثة من تقدّمهم. بينما في أماكن أخرى، انتبه أفراد العدو لوصول الإخوة، فظنوا أنهم فرق استطلاع، فوجّهوا إليهم نيران رشاشاتهم الثقيلة، ولم يردّ الإخوة عليهم لأنّ أمر الهجوم لم يصدر بعد، ورفضوا أن يكشفوا أمر العمليات، فاستشهدوا مظلومين. على "خور عبد الله"، وفي الغرب منطقة معمل الملح. لكن صمود قواتنا، والدعم الكامل لمدفعية الحرس والجيش قضّتا مضاجع العدو.


منعًا لتقدم الدعم. بحيث كان علينا أن ندخل عبادان، ومنها نعبر بالزوارق حتى نصل إلى الفاو، استمرّ الأمر هكذا لفترة حتى تمكن الإخوة في جهاد البناء أن يمدوا جسرًا بطول متر فوق النهر، وكان بناء هذا الجسر بحد ذاته من عجائب الحرب. الفراشة التي لا تخاف. نظرت من المرتفع إلى الأسفل، كانت الساعة الرابعة عصرًا، وكانت الشمس قد ابتعدت عن سفح الجبل، لكن تحديده وهو يمسك بمدفع رشاش ويقف أمام القوات لم يكن بالأمر الصعب. برج العروج. تحمل أشعة الشمس طوال تلك الساعات؟! الهداية الثالثة. الذهاب إلى الخط الأمامي. عندما قال: "إذا كان ذلك خطرًا، فسأذهب وحدي ". ليتأكد بذلك أنكم قد وصلتم. الانتقام لإيران غيت!


الهجوم انطلاقًا من الحوض إلى نهر أروند مباشرة. وكلامه هذا يعني أنهم مطمئنّون إلى أننا سنحافظ على المناطق التي سيطرنا عليها، وأنّ جميع الوحدات ستلتقي بعضها مع بعض قبل طلوع الصباح. لكننا سرعان ما أدركنا أن فرقة الإمام الحسين، وفرقة النجف8 وكل الوحدات التابعة ما زالوا في جزيرة "أم الرصاص"، ولا يمكنهم تحطيم خطوط دفاع الجيش العراقي. ما جعل "علائي" يتردّد خشية أن يكون قد ارتكب خطأً، ولا سيّما أن فرقة المهدي ليست هناك عند الجانب الثاني. لقد كانت أصعب لحظات خمس سنوات من الدفاع المقدس في نظري. الكتيبة الوحيدة التي استطاعت أن تعود هي الكتيبة التي أرسلناها لتطهير المنطقة، أما الباقون فقد وقعوا في الأسر، واستشهد بعضهم خلال الانسحاب. الأحياء منهم سيّئًا، فكلّ واحد جلس في زاوية وهو يبكي. قال لي: "يا حاج ادعُ لي أن أستشهد سريعًا، فكيف سأقابل عوائل الشهداء؟ ". هذا الدعم المعلوماتي جعل العدو يسدّ المعابر الأساسيّة لهجومنا، ويشنّ هجمات دفاعية قوية مستفيدًا من الموانع الطبيعية والصناعية المتعددة، ويمنع تقدم قواتنا.


من الفرعي إلى الأساس. أيّدها الشيخ "رفسنجاني"، وقبل بها الجميع. بدقائق عاد أفراد فريق الاستطلاع مرهقين. ما إن رآني خليل حتى شرع يعاتبني: "قلت لك يا حاج، لا يمكن تنفيذ هذه العملية، لا يوجد شيء جاهز، المنطقة تعيش الفوضى، بين المتر والآخر هناك لغم وأسلاك شائكة وشمسية، وبراميل الفوغاز والمثلثات أصبح بعضها فوق بعض". menu القائمة. الهداية الثالثة الناشر: دار المعارف الإسلامية الثقافية تاريخ الإصدار: النسخة: 0 الكاتب مركز المعارف للترجمة مركز متخصص بنقل المعارف والمتون الإسلامية؛ الثقافية والتعليمية؛ باللغة العربية ومنها باللغات الأخرى؛ وفق معايير وحاجات منسجمة مع الرؤية الإسلامية الأصيلة. PDF WORD. المقدمة المقدمة. بسم الله الرحمن الرحيم. مقدمة الترجمة. أيام الله هي هذه الأيام العظيمة الصانعة للتاريخ. وعلى هذا، فإنّ الأعوام الثمانية من الدفاع المقدس هي من أيام الله، بل إنّنا لو نظرنا إلى كل يومٍ من أيامها، لوجدناه، بمعنى من المعاني، يوماً من أيام الله.


يجب علينا ألّا نسمح بأن تُرمى هذه الأحداث في مطاوي النسيان. إنّ القرآن هو الذي يعلّمنا هذه الذكريات ويأمرنا بالتذكر: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ﴾ ، ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى﴾ ، ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ ، ويطالبنا بتذكرها وتكرارها انظروا إلى قصة النبي موسى، وقصة النبي إبراهيم، وسائر القصص، كم قد تكرّرت في القرآن الكريم؟!.. ثم يكمل الإمام الخامنئي حديثه، في لقائه القائمين على قوافل النور ، حول الثروات الثقافية لحرب الدفاع المقدس: "إذا أردنا إحصاء ثرواتنا الثقافية، لاستخرجنا قائمة طويلة موجودة لدينا وتمنحنا القوة والطاقة، ولو أحييناها، أو أخرجنا المنسيّ منها من دائرة النسيان وأنزلناه إلى الساحة لتحقّقت إنجازات كبرى، إنّ روح الجهاد وتقبّل الجهاد والإيمان به، ثروة ثقافية، وهذه موجودة في بلدنا ولا توجد في كثيرٍ من البلدان، الإيمان بالصمود في وجه المتسلّط قيمةٌ ثقافية أيضاَ، الاعتقاد بأننا لو صمدنا وثبتنا، فسوف ننتصر على العدو لا محالة، هو قيمة وثروة ثقافية.. إنّ الاستفادة من التجارب وتطويرها ونقلها هاجسُ القادة وأصحاب القرار، خاصة عند تظاهر التهديدات وتضاؤل الفرص ومحدودية الإمكانات.


المقدمة يعمد القادة في المعركة - مثل محمد جعفر أسدي - إلى استخدام الإمكانات وتفعيل الطاقات والابتكار في الوسائل والخطط. يفخر مركز المعارف للترجمة أن يساهم في نقل هذا التراث الثقافي، ويضيف إلى ساحة الثقافة والأدب هذه المجموعة التي دوّنت بأسلوب قصصي جاذب، الكتاب السادس عشر من سلسلة "سادة القافلة". ويشكر كل من ساهم في نقله إلى اللغة العربية، لا سيما المترجم: الحاج موسى قصير، وفريق التحرير: نهى عبدالله وفاطمة منصور. والشكر موصول لدار المعارف الإسلامية الثقافية التي نشرت الكتاب. المقدمة مركز المعارف للترجمة. كانت المقابلةُ المصوّرة الشرارةَ الأولى لتدوين هذا الكتاب، كاميرا وقاعدة ومصوّر، وإصرار المحاور أو المصوّر على السكوت في غرفة المقابلة.


القائد "محمد جعفر الأسدي" من قادة قوات حرس الثورة الإسلامية في الحرب المفروضة، الذين لا يتحدثون أمام الكاميرا إلا بشكل رسمي وعام، ولا يترك مجالًا للخوض بتفاصيل الأحداث، وكأنّ هذه المقابلات قد سُجّلت حتى يحين الوقت المناسب لوجود من يدوّنها، ومن ثم إنتاجها وثائقيًّا. عندما اقتُرح عليّ تدوين كتاب ذكريات القائد الأسدي، كان المرجع الوحيد الذي يمكنني الاستفادة منه هو الأشرطة المصوّرة للمقابلة، لكنّ الأهم منها، كان القائد نفسه. وفضلًا عن محبّتي القديمة له منذ زمن الحرب المفروضة، فقد أُتيحت لي الفرصة مؤخّرًا - بدافع من الزمالة الكبيرة بيننا - لأسأله مباشرة عن التفاصيل التي لم تُذكر في تلك الأشرطة، في ظلّ علاقتنا الوطيدة والجوّ المفعم بالحميميّة.


كان يبدو لي دومًا أنه يحمل في ثنايا قصصه أسرارًا لم يبُح بها، وقد يبوح لي بعيدًا عن الاحتياط الأمنيّ لنشر الذكريات بعد ثلاثة عقود. ونتيجةً للحوارات المصوّرة والمقابلات المسجّلة صوتيًا، بدا لي أن أُقسّم المدونات في دفترين، وأودع الوثائق والصور في دفتر ثالث،. المقدمة ليكون الدفتر الأوّل استعراضًا منهجيًّا للذكريات منذ الطفولة وحتى نهاية الحرب المفروضة، والدفتر الثاني مختصًّا بالذكريات القصيرة والمؤثّرة من دون الالتزام بالتسلسل الزمني. وقد أدّى الشيخ "علي الشيرازي" دورًا كبيرًا في إخراج هذا الكتاب، إن لجهة التشجيع والتحضير والمتابعة، أو لجهة الإرشادات العلمية التي نصح بها "بابك الطيبي"، وليس في جعبتي ما أقدّمه لهما هدية سوى فاكهة الشكر الجزيل. والآن مع الأسطر الأخيرة، أجيل فكري في الأيام المشعّة التي نشرت شعاع الرجولة والمقاومة والاستقامة، وأتطلّع إلى النظرات السماوية للشهداء العظام، الذين تزيّن هذا الكتاب بأسمائهم وذكرهم الثري الخالد، هؤلاء حملة الفجر والنور والضياء، الذين نسعى دومًا للثناء على عظمتهم والسير على هديهم. سجادي منش. آب العطر الدفين العطر الدفين. يتأثر كلّ إنسان في طفولته بشخص يترك أثرًا هامًا في بناء شخصيته، وعندما يكبر ويتأمّل في نفسه، يجد أنّ كثيرًا من أفكاره، وحتى الحوادث التي تحصل معه في حياته، لها جذور ممتدّة من شخصية ذاك البطل الذي تأثّر به.


كانت جدتي بطلتي منذ طفولتي، منذ أشهري الأولى، إنها البطل الذي أحرز بطولته في قلبي. من خلال رائحة عناقها الحنون، التي تشبه رائحة أي إنسان، خاصة به، رائحة جسمه وملابسه، أو عرقه أو العطور التي يستعملها. ما إن تحتضنني، يلتقط أنفي رائحتها ويحفظها دماغي لتستقرّ في ذاكرتي، فتطبق عيناي وأغفو. مُذ بلغتُ الثالثة من العمر، كنت أشعر أنّ جدتي لها مكانة خاصة في محلة "ده كره" 1 في شيراز، مسقط رأسي. وكأنّي ما زلتُ أرى من خلف الستارة البيضاء ملامح المرضى يحملهم أقرباؤهم على ظهورهم، ليأتوا بهم إليها. العطر الدفين الحاجة ملا فضل الله فيها بركة، وعلى يدها الشفاء. لعلّ كثيرين، ومنهم "فضل الله" عمي الأكبر بين أبناء جدتي الخمسة، لم يروا ولم يدركوا أن لقب "الملا" استخدم لمناداة جدتي لأنها متعلمة.


كانت تضع يدها على المريض، وتتمتم ببعض الكلمات، ثم تدسّ يدها في صرّة أدويتها العشبية المحلية لتستخرج بعض الأعشاب الجافة والأدوية ثم تسلّمها لذوي المريض، وتوصي بوصفات لازمة. كان التلقين والاعتقاد والإيمان والنفَس المبارك أو أي شيء آخر، هي الأمور التي تمنح المريض الاطمئنان والراحة، فتظهر على شفتيه ابتسامة رضى. كانت غرفتها مليئة دومًا بعدة أوانٍ نحاسية مرهونة بدل القروش المعدودة التي كانت تقرضها للناس، لذلك كانت تقبل بعض المال الذي يدفعه المرضى. دعك من هذا، لعلّ جسمها القوي زاد من ثقتي بها وتأثيرها عليّ. في أول ليلة جمعة من كل شهر، يسير أهالي المحلة طبق عاداتهم مشيًا على الأقدام مسافة خمسة كيلومترات للوصول إلى حرم "شاه تشيراغ"، ليبيتوا فيه حتى صباح يوم الجمعة.


وكانت جدتي تحملني معها طوال الطريق وتضمّني إليها. أحيانًا، كنت أتململ لتضعني على كتفيها وتمسك يديها بيديّ. بينما أستمتع وأنا أجول بنظري من الأعلى، وأنفها كمؤشر لتوجيه نظري حيث تنظر هي. أحرك رأسي يمنة ويسرة بافتخار، بينما أبي وأمي وأعمامي يقولون لها:. العطر الدفين - يا حاجة دعيه لنا، لقد أتعبكِ. حينها، لم يكن الضريح بالعظمة التي عليها الآن، كان هناك المرقد والمقبرة حوله، وتعلو بعض القبور تماثيل أُسود، أظنّ أنّني كنتُ أحب الذهاب إلى المرقد لاعتلائها فقط. كنت أرغب باعتلاء أحد تلك الأسود، فأشير إليه بإصبعي، لتُركبني جدتي عليه. وكنت أوكزه بعصا، وأتخيّله يسير بي، يسير ويسير حتى يرفرف شعري الطويل. بل كنت أخال ذلك الأسد يحلّق أحيانًا فأصرخ، وعندما يشعر بخوفي ينزل سريعًا، ويدور حول القبور ثم يعود إلى مكانه، فأشعر أني أصبحت أكبر! لم أكن أدرك شيئًا مما حُفر على القبور، وكأني كنت أجدُ علاقة غريبة وخفية بين تلك القبور وامتطائي الأسد، والكلمات العربية التي يهمس بها الزائرون بالتشديد على حرفي "السين" و"الحاء"، والنقر بأصابعهم على القبور.


حينما انفجر مستودع الذخائر في "معسكر- 4" شيراز، كان الصوت رهيبًا، بثّ الرعب في قلوب الناس، فخافوا البقاء في بيوتهم، كأنّ بلاءً سماويًا قد حلّ بهم، وخشوا أن يتكرّر مرة أخرى. فقرّر أهالي محلّة "مهدي آباد"، على الرغم من بعدهم عن مكان الانفجار مسافةً لا تقلّ عن كيلومترين، أن يلجأوا إلى مرقد "محمد" من سلالة الأئمة عليهم السلام في محلة "قصر دشت". وأخذوا معهم حاجياتهم من وسائل المبيت والأكل، وباتوا هناك ثلاث ليالٍ، إلى أن اطمأنوا أنّ كل شيء عاد إلى مجراه، ويمكنهم العودة إلى بيوتهم ومعيشتهم. أما ذكرياتي عن تلك الأيام الثلاثة، فهي صورة جدتي وأبي وأمي. العطر الدفين يلتصقون بالمرقد، ويتمتمون بكلمات، ويتضرّعون ويبكون، في حين كانت خطوط النور تتسلّل من السقف على الضريح، وتنعكس بريقًا على دموعهم سُمّي ذلك العام بعام الذخائر، حينها لم يكن الناس يهتمون بالتاريخ الرسمي، فقد كانوا يُطلقون على الأعوام أسماء أبرز الحوادث الجارية فيها، فلكل عام اسم، عام الوباء، عام الزلزلة، عام السيل، وهكذا، وقد تمرّ أعوام من دون اسم، فتنسب لما قبلها أو ما بعدها، وذلك لقولهم: عامان قبل عام الوباء، ثلاثة أعوام بعد عام الجفاف وهكذا، لذلك على سبيل المثال، لا يقولون ولد "محمد جعفر" عام ، بل ولد قبل عامين من عام الذخيرة!


على الرغم من صغر سنّي، أحسستُ أن أسرتي، خاصة جدتي، تحرص عليّ أكثر من المألوف، من دون أن أدرك السبب. عرفتُ فيما بعد أنّ لي ثلاثة إخوة هم: "أمان الله"، "محمد جعفر" و"محمد كاظم" وُلدوا قبلي، أصابهم مرض مجهول في تلك السنوات، وماتوا قبل أن يُتمّوا عامهم الثالث. عندما ولدتُ أنا، تولّت جدتي أمري منذ الولادة، وتعهّدتني بالطب التقليدي لتُبعد عني الأمراض. خوفًا من موتي، صارت تصحبني معها أينما تذهب، وتهتم بكل التفاصيل: أين أجلس ومن يحتضنني ومن يلاعبني؟. ولهذا السبب نفسه، لم يسمح والدي باقتراب الشفرة والمقص من شعري، حتى بلغتُ السادسة. حتى إنّي ما زلت أتذكر يوم ذهبتُ إلى المدرسة، لم تصدّق معلمتي أنّني صبي حتى تأكدت بنفسها. وقالت لوالدتي منبّهة:. العطر الدفين عليكِ بحلاقة شعر غلام حسين، لا يصح هكذا. منذ ذلك الحين، أصبح اسمي الرسمي "محمد جعفر" فقد حملت هوية أخي المرحوم "محمد جعفر". لكن والدتي بقيت تناديني باسمي الأصلي "غلام حسين" 1.


وحافظت أمي على كنيتها "أم غلام حسين" إلى أن توفّيت بعمر الثمانين. أجابت أمي المعلمة بقولها: "اسمحي لي أن أشذّب شعره فيما بعد، فأريد أن يكون ذلك في مشهد تحت الميزاب الذهبي"، وهذا ما حصل بعد الانتهاء من الصف الأوّل. عندما اطمأنت أسرتي من مناعتي ضدّ الأوبئة والأمراض، توجّهنا لزيارة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد، وتحت الميزاب الذهبي للحرم، شذّبوا شعري الطويل، وقدموا بوزنه ذهبًا هدية للحرم بنيّة أن أبقى سالمًا. وربما بسبب هذا التوسّل إلى الإمام الرضا عليه السلام رُزقنا بعد ذلك بأخت وستة إخوة، لنصبح أسرة مكوّنة من عشرة أفراد. وبالعودة للحديث عن جدّتي التي كان لها الفضل في زواج والديّ. فقد كان لها جارة تستودع ابنتها الصغيرة عندها كلّما ذهبت إلى المدينة لمتابعة شؤون ولديها هناك. وكان لجدّتي ولدٌ يكبر تلك الفتاة بأربعة أعوام، وكانا يلعبان في طفولتهما معًا. ومنذ ذلك الحين أحب الصبيّ تلك الفتاة، وخطّطت جدتي لتزويجهما. لذلك عندما بلغ ابنها سن السابعة عشرة والتحق بالخدمة العسكرية، عرضت جدتي مسألة الزواج هذه على أم الفتاة التي كانت قد بلغت الثالثة عشرة.


ولم يكن من والدتها إلا أن قالت:. إنّها ابنتكم وأمرها بيدكم! العطر الدفين جدتي التي أثّرت كثيرًا في حياتي وحياة أهالي مهدي آباد غادرت الدنيا عام في فصل الربيع الذي صار خريفًا عندنا جميعًا. بعد موتها بأربعة أيام، لم أجد ما يبرّد حزني سوى التوجّه إلى "سبز بوشان" 1 ابن الامام المدفون عند قمة جبل "زيبا" 2 في جنوب شرق شيراز. كانت طريقه وعرة تمرّ بين كثير من المرتفعات والمنخفضات، وحتى الآن، وعلى الرغم من كل الإمكانات الكثيرة والمتطوّرة، ما زال الوصول إليه صعبًا. كانوا يقصدونه على الحمير التي تحمل كل ما يحتاجون، ويقطعون بتأنٍّ ورويّة طريقًا ملتوية بعد أخرى، حتى يصلوا إليه، فيقيموا عنده عدة أيام، يقدّمون الأضاحي، ويتوسّلون إلى الله بشفاعته لقضاء حوائجهم، بينما يستغلّ الأطفال الفرصة المتاحة للّعب في الجو البارد بين الأشجار، وعند النبع. زرته مرتين محمولًا على كتفي جدّتي، لذلك شعرت بعد فقدها أنّ حزني الشديد عليها، لن يسكّنه سوى زيارته.


لكنّ مراسم العزاء المتواصلة - وهي بخلاف العرف اليوم حيث أصبحت مراسم العزاء تقتصر على الثالث والأسبوع - لم تسمح باصطحابي إلى هناك. إلا أنّ شدة بكائي وتململي زادت من مصابهم، فاضطرت أمي أن تطوي لأجلي ذلك المسار الصعب، وتأخذني إلى ذلك النبع لأزور الضريح وأجلس تحت الأشجار. العطر الدفين بعد وفاة جدتي، أتذكر أنّ والدي توقف عن العمل في البساتين، وشيئًا فشيئًا تولّى مهمة بيع الخبز في فرن أخيه الأكبر "صدر الله"، وبقي في عمله هذا مدة ستة عشر عامًا، حتى ابتُلي بأوجاع شديدة في ساقيه بسبب الوقوف المستمر، فظهرت الدوالي الغليظة فيهما، وتقاعد عن العمل. كانت "ابتدائية مرداويج" هي المدرسة الوحيدة في منطقتنا، يقصدها أبناء الضواحي الأخرى للدراسة فيها. تابعت دراستي فيها إلى حين تأسّست مدرسة أخرى في محلة "قصر دشت"، حيث أكملتُ دراسة السنوات الأربع الأخرى، متحمّلًا عناء السير ذهابًا وإيابًا مسافة ستة كيلومترات يوميًا، لأتوقف بعدها عن الدراسة كالكثيرين من أقراني بسبب الفقر والفاقة، وضرورة مساعدة الأهل في تأمين المصاريف.


كان عمري حينها أربعة عشر عامًا، استأجرنا بيتًا في المدينة، وبحثتُ عن عمل في كلّ مكان، حتى سنحت لي فرصة لدى بائع فاكهة، قرب حرم "شاهتشيراغ". بعد أيام من بدء عملي، زارنا أحد أقارب الوالد "قلي خان" عند الغروب، وبعد أن ارتشف آخر جرعة شاي قال لأبي:. وقبل أن يجيب والدي بادرته قائلًا: أي وظيفة هي؟. بدا أنّ السيد "قلي خان" انزعج من تدخّلي، ولم يعرني اهتمامًا، بل أجاب من دون اكتراث: لا أدري في الجيش أو الشرطة. ثم التفتَ إلى والدي قائلًا: يمكنني أن أزكّيه ليعمل حارسًا. نظر إليّ أبي نظرة استفهام من دون أن ينطق بأي كلمة، ليعرف ما. العطر الدفين هو رأيي. أجاب قلي خان بصوت مرتفع: " ماذا؟ بل قصدته هو بذاته".


لم أحرّك عيني عن والدي، وقلتُ: "آه، لا تذكر اسمه، إنه لا يناسبني". تبادل الجميع النظرات، كلّ منهم كان ينتظر ردّ فعل الآخر بالنظر أو الكلام. فنظرتُ إلى كل واحد منهم وقلتُ: " ما بكم؟ إني أكره الزعماء الإقطاعيين وأخاف منهم ". لاحظت أنّ والديّ أطبقا على شفاههما خجلًا من ضيفهما. أما قلي خان الذي كان أحد الزعماء أيضًا، وله نفوذه في عائلتنا الكبيرة، فقد احمرّ وجهه، وأخذ يفرك يديه بشدّة وقال: "سلمت يداك يا "أمر الله" على هذه التربية! عندها، أدركتُ أني تجاوزت الحدود، وأنه لا يجدر بي البوح بكلّ ما يجول في خاطري.


وتداركتُ ما حصل بقولي: "عمي قلي خان، أنت تختلف عن باقي الإقطاعيين، لم أكن أعنيك بكلامي، لكني لا أرتاح لمثل هذا العمل أقسم إنني أحترمك ". لم ينجح هذا الكلام والاعتذار في إنقاذ الموقف أو التخفيف من حمرة وجه قلي خان الذي نهض وهو يمرّر إصبع يده اليسرى على شاربيه ليسوّيهما، وهو يردّد كلمات غير مسموعة، وبنصف وداع خرج من البيت. أول بقعة حمراء جرى بتفاصيله وبحماسة شبابيّة لم أعتدها. عصر ذلك اليوم، اختفت الشعارات والحماسة والتجمعات، وكأنّ كل ذلك كان حلمًا رأيته في المنام، أو كأنّي شاهدت رواية في فيلم. كان يقف عسكريّ كل عدة أمتار، قوات الدرك والشرطة والجيش اجتمعت لتمنع الطائر من أن يرفرف من دون إذن الحكومة. بات اجتماع أكثر من شخصين ممنوعًا. لم أطق البقاء في الشارع، وعلى الرغم من أنّ المحل مغلق، ولديّ الفرصة للسير والاطلاع، إلا أني عدتُ إلى البيت قبل الغروب.


لم أستطع النوم حتى انتصف الليل، فصورة القماش الملطّخ بالبقع الحمراء ظلّت ماثلة أمامي. أخذتُ أفكّر كيف يمكنني رؤية الناس الذين انتفضوا اليوم ثانية، ثقلت عيناي واستغرقتُ في نوم عميق حتى الصباح لأتوجه نحو المحل بعد أيام من تلك المواجهات، ألقى آية الله دستغيب 1 خطبة قوية ضد النظام والدعم الأمريكي له، وحول مظلومية المرجعية الدينية، وتكريم شهداء المواجهات، فكانت سببًا كافيًا لاعتقاله. هو وعدد من العلماء الثورّيين. ظنّ النظام أنّه باعتقالاته هذه قد قضى على التحرّكات الشعبيّة، في حين أنّ الخلايا الأوّلية لمواجهة النظام الملكي كانت تنظّم من قبل العلماء والشباب، ويلتحق بهم اليافعون من عمري. لينتقموا لبقع الدم الحمراء تلك. أول بقعة حمراء أول بقعة حمراء. لم يدرِ صاحب المحل بماذا يجيبني، هل أحضر غدًا للعمل أم لا؟ فقبل دقائق، عند الغروب، جاء رجل ذو لحية كثيفة، وتناول تفاحة من الصندوق، ومسحها بكمّه وقضمها. غدًا كل الحوانيت مغلقة، ومن غير المناسب أن تفتح وحدك. إنه أمر مراجع التقليد، قالوا: إنّ الكسب والعمل غدًا حرام، هكذا قالوا لنا!


في أمان الله. لم يقل لي صاحب العمل تعال غدًا أو لا تأتِ، وإن كان سيفتح المحل أو يغلقه، والحياء لا يسمح لابن خمسة عشر عامًا أن يسأل معلّمه في العمل هل سيأتي غدًا أم لا؟. لكني، من باب الاحتياط، طلبت من عامل الفرن القريب أن يعدّ لي ستة أرغفة من خبز الـ"سنگك" 1. كان الشاب صديقي ويقاربني في العمر، وكنتُ بدوري أعدّ له الفاكهة التي يريدها، وهو يهيّئ لي خبزي. تلك الليلة، سألتني والدتي: ما الأمر، لمَ كل هذا الخبز؟ لم ننذر نذرًا! حينها، كنّا نشتري الخبز لكل وجبة، طازجًا وساخنًا. أول بقعة حمراء "المحلّات كلّها ستغلق غدًا، ولن يكون في السوق خبز". تعجبت أمي وتساءلت: "م ا هي مناسبة الغد؟ هل هو التاسع أو العاشر من محرم، أم حلّ علينا الحادي والعشرون من شهر رمضان المبارك باكرًا؟! لا أدري، يقولون إنّ مراجع التقليد أمروا بذلك.


لكنّي في الغد صباحًا لن أتمكّن من الغياب، فصاحب العمل لم يطلب منّي عدم المجيء. لا أذكر أي يوم كان ولا أي شهر، كل ما أذكره هو العام م. كان الجو حارًا يومها، أبكرت في التوجّه إلى المحل قبل الموعد المعتاد كل يوم، لعلّ حسّ الفضول عند الشباب هو الذي دفعني لمعرفة ما سوف يجري، وهل سيطيع كسبة السوق كلام العلماء أم لا؟. سرتُ في شارع الأحمدي ذهابًا وإيابًا. كان حضور الناس عند مدخل "شاه تشيراغ" مختلفًا عن كل يوم، كانوا يتحرّكون بشكلٍ يوحي بأنّ أمرًا ما سيحصل خلال الساعات القادمة. عندما عدتُ للمرة الثالثة، وصل صاحب المحل. أخذ يسألني عن أبي وعمي وجدي وعدد إخوتي، أسئلة لم يطرحها عليّ سابقًا، كما إنّه لم يتحدث معي بهذه الحميمية. وكأنه أراد إمرار الوقت، ليرى ما سيحصل، هل سيفتح الباعة محلاتهم أم لا، لئلّا يُتّهم بأنه خالف كلام العلماء من أجل حفنة قروش. خلال حديثي غير المعهود، لاحظت أنّ الساحة المواجهة للحرم اكتظّت بالناس، وارتفعت أصواتهم بالشعارات. وبسرعة، سبقتُ صاحب المحل إلى هناك. بدا أنّ الحوض الذي يتوسط الساحة اختفى من شدة ازدحام الناس.


لم أكن أعلم سبب كل هذا الزحام، لكنه جذبني لاكتشافه. كان بعض الناس. يهرولون نحو الجامع الجديد، فسرتُ خلفهم، بينما دخل بعض أفراد الشرطة. أول بقعة حمراء بأسلحتهم من الباب الخلفي للجامع، بحالٍ من الغضب، وتوجّهوا واندفعوا نحو الناس الذين هرعوا هربًا من الجامع باتجاه الساحة. لاحظتُ شابًّا عشرينيًّا يرتدي فوق ثيابه قطعة قماش بيضاء، وقد عقد أربطتها خلف ظهره، فسألتُ عجوزًا كان موجودًا بجانبي، يستند إلى عصاه: "أبي العزيز، ما هذه القطعة من القماش؟ لمَ يرتديها؟". شرح لي أنّها الكفن، وهو يرتديه ليؤكد أنه مستعد للموت. لم يسبق لي أن رأيتُ من قبل إنسانًا يرتدي الكفن وهو ما زال حيًّا، لم أرَ ولم أسمع. تقدّم شاب آخر يرتدي طقمًا وربطة عنق، وانحنى بين أقدام مرتدي الكفن، ورفعه عاليًا. استطاع الجميع، في تلك اللحظة، أن يروا صاحب الكفن الذي كان ينادي بصخب شديد، حتى إنّ شرايين عنقه برزت عن بُعد أمتار وباتت واضحة، أطلق شعارات ضد الشاه وأمريكا، وردّدها الآخرون.


كانت الشعارات موزونة ذات قافية، ردّدها الناس بجدٍ وشدّة حينًا، وبابتسامة حينًا آخر. صاحب الكفن أطلق أربعة شعارات، لم يتمكن من تكرار كل منها أكثر من ثلاث مرات، فقد ظهرت سيارات الشرطة من جهة تقاطع شارع "الأحمدي"، وهي تطلق صفارتها متّجهة نحو الساحة، وقد أطلقوا بضع رصاصات في الهواء كانت كافية ليتفرق الناس قليلًا، لكن ما إن توقف إطلاق النار حتى عاد الناس إلى تجمعهم، بينما يصرخ أحدهم ويلتفّ الآخرون حوله. كان بائع الزجاجات رجلًا أربعينيًّا، رأيته من قبل مرتين فقط، كان كباقي أصحاب المحلات هادئًا، لا يخطر بالبال أنّ رصاصةً ستصيبه بعد أيام وسيلفظ أنفاسه الأخيرة خلال دقيقة واحدة.


أذكر أنّني تخطيتُ كل الجموع حوله لأصل إليه وهو يلفظ أنفاسه، كانت الرصاصة قد أصابت وجهه مباشرة. لا أدري من الذي أحضر ذلك الباب الخشبي، ومن أين أتى به. أول بقعة حمراء كيف خطر بذهنه أن يُحضر كفنًا أبيض من أحد لابسي الأكفان ليلف به جنازة بائع الزجاجات ويربطه كحبة شوكولاته، ويضعه سريعًا فوق الباب الخشبي، ليرتفع على أكتاف الجموع ويُشيّع من دون غسل باتجاه تقاطع الأحمدي. بقع الدم الحمراء التي صبغت الكفن أثارت الحماسة في كل من رآها، لم يعد أحد يفرّ من سماع الطلقات في الهواء، والكل ينادي بقوة واقتدار: "الله أكبر، لا إله إلا الله". ويتزاحمون للمس الباب الخشبي، ذاك الذي كان لدقائق مضت لا يساوي شيئًا، وأضحى الآن نعشًا مهمًّا ومقدسًا.


حضر العقيد "عزتي" من ضباط شرطة شيراز. الجميع يعرفون هذا الاسم، وكثيرون يعرفون وجهه، وبعضهم يعلم أنّ هذه الرصاصات انطلقت بأمره. كان يريد أن يشهدوا له عند الأمير أنه حضر إلى مكان التظاهرة شخصيًا، لكنّه ربما لم يمتلك الخبرة الكافية ليعلم أنّ وجوده بين الناس بعد أن شاهدوا إراقة الدماء كان خطأً جسيمًا. فبين الشعارات الدينية والسياسية لتشييع الجنازة، صرخ أحدهم بأعلى صوته: "ها هو ذلك اللعين عزتي داخل تلك السيارة". فجأة خفّ الزحام حول الباب الخشبي، تناول كلّ متظاهر أقرب شيء وجده ليرميه نحو سيارة عزتي، أحجار، عصيّ، قوارير زجاجية محطّمة. لم يكن الجمع شخصًا أو شخصين ليسهل تفريقهم بطلقات في الهواء، ولا يمكن قتلهم جميعًا. لن أنسى أبدًا رأس "عزتي" ووجهه الداميين، كان دمه مختلفًا كثيرًا عن بقع الدم التي لوّنت قطعة القماش الأبيض.


حينها لم يجد حلًّا سوى الفرار والاختفاء في بيت خلف مسجد "بيت العباس". ولمّا هرب "عزتي" ترجّل سائقه ولاذ بالفرار هو الآخر نحو زقاق ضيّق في "شارع الأحمدي". في ذلك اليوم، كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها القوات التي سفكت. أول بقعة حمراء دمًا حرمًا عن قرب. كانت الحماسة شديدة إلى درجة أني لم ألحظ أين أصبحتْ جنازة الشهيد بائع الزجاجيات، وإلى أي شارع وصل بها مشيّعوها. تقدّم شخصٌ تلك الجموع وأطلق شعارًا ردّده الآخرون خلفه، إلى أن وصلنا نحو مدخل "سوق الوكيل"، من بين كل المحلات المقفلة، كان هناك صرّاف يُدعى "رجب علي" داخل محلّه المشرع. لم يدع مجالًا لأن يعترض عليه أحد، لأنّه تقدّم أمام الجموع وبرّر موقفه قائلًا: " هناك حسابات للناس متبقية لستُ كلبًا لأحد لأخالف كلام السيد، ها أنا ذا أغلق محلّي ". كان خائفًا لدرجة أنه أغلق محله من دون أن يطفئ الأضواء. أضحكني تصرفه، وسررتُ كيف أن " رجب علي الصراف" ، الذي كنت أسمع أنّه إنسان متكبّر لدرجة أنّه من بين ألف سلام يجيب على واحد فقط، ها هو قد شعر بالحقارة أمام قدرة الناس.


خلال يوم واحد، أحسست أنّني - ابن الخمسة عشر عامًا - كبرتُ عدة أعوام، ولم أفعل شيئًا سوى أنّني سمعت ورأيت. فقبل أن أساعد في قلب سيارة أخرى وإحراقها، وتشييع جنازة، سرتُ مع الجموع حتى وصلنا إلى تقاطع "زند"، ثم إلى تقاطع "مشير" حيث محل المشروبات المحرمة الذي لم يمتلك صاحبه ذكاء "رجب علي الصراف" ليعتذر قبل أن يعترضوا عليه، أو أن يعدهم بإغلاق المحل، كان محله يشتعل بالكحول كمستودع البارود، وسرعان ما تحوّل إلى فحم. لم تبق الشرطة مكتوفة الأيدي، بل أصابت أكثر من عشرة أشخاص بالرصاص، وتفرّق الجمع. عدتُ ظهرًا إلى البيت ورويتُ لوالدي كل ما. البداية بعد النهاية البداية بعد النهاية. أجابني: "افتح يا بني"، فعرفته. قبل الغروب ومع حلول الظلام، قلت في نفسي: "ماذا يريد المختار في هذا الوقت؟". فتحتُ الباب، فكرّر عبارة "يا الله" ودخل. كان أبي قد توضّأ ليذهب إلى المسجد للصلاة، لا تزال يداه ووجهه مبتلّين بالماء، استقبل السيد "زيبايي"، وبعد السلام والاطمئنان إلى الأحوال، جلس المختار في زاوية البهو على حافة الحوض، وأخذ يحرك الماء بيده.


كان في كلامه إشارات ومزاح. فأجابه والدي بنفس اللهجة: "مكانك خالٍ. لم يكن ينقصنا سوى مختار". بدت على وجه المختار علامات الجدّ حينها، ودخل في صلب الموضوع مباشرة: "أتيتُ لأقول لك إنّه قد مضى عامان على موعد تجنيد ابنك جعفر، وحان الوقت ليذهب ويلتحق". ما إن سمعتُ كلام المختار حتى اهتزّ بدني وانقبض صدري. سوّى أبي أكمامه، وطأطأ رأسه. وجلس على زاوية أخرى من الحوض وردّ عليه: "عدتَ للحديث عن التجنيد مجدّدًا يا مختار؟ لا يزال طفلًا، لم يبلغ السابعة عشرة بعد". البداية بعد النهاية أزعجني كلام أبي. في "مهدي آباد" عندما يولد الطفل يجب أن تدفع خمسة تومانات للسيد "زيبايي" هذا ليؤمّن له هوية. لكن والديّ رفضا دفع ذلك المبلغ، فقد كان كبيرًا حينها، لذلك احتفظ بهوية أخي المتوفّى لتصبح لي، لكنّه كان يكبرني بخمس سنوات، وكانت ولادتي عام م بينما كان تاريخ الولادة في الهوية م.


كان المختار قد طرح الموضوع نفسه قبل عامين، حين كان عمري خمسة عشر عامًا فقط. يومئذ حضر إلى البيت وقال لي: "أخبر أباك أنّ اسمك ورد في اللائحة، يجب أن تذهب إلى التجنيد ". فسألته حينها: أنا أم أبي؟! فاغتاظ من جوابي قائلًا: " لا تمزح مع من هم أكبر منك سنًّا، طبعًا أعنيك أنت ". ثم صمت وهمّ بالمغادرة، لكنّه بعد أن مشى عدة خطوات التفت وصاح: " سآتي غدًا صباحًا بطلبك، كن جاهزًا! في اليوم التالي، ذهبت برفقة المختار وأحد أبناء المحلة، الذي كان عمره أدنى من العمر المذكور في بطاقة الهوية أيضًا، إلى مركز التجنيد الإجباري. ما إن رآنا الضابط السمين ذو الشارب الكبير الذي كان جالسًا خلف الطاولة، حتى قال: ما هذا الذي أتيت به؟.


فأجبته ببساطة الأطفال: سيدي، احسبنا معًا جنديًّا واحدًا. فضحك الضابط وخاطب المختار قائلًا: أيها المختار يبدو أنك. البداية بعد النهاية أخطأت المكان، لسنا في مدرسة ابتدائية! بعد مضي عامين، يبدو أنّ المختار لاحظ زيادة طولي وقرّر أني أصبحتُ مناسبًا للتجنيد، فجاء ليصطحبني. بينما لم يصدّق أبي أنّه حان وقت تجنيدي، فكان يجيب المختار مستبعدًا ذلك. إلا أنّ السيد "زيبايي" لم يكن يصغي إلى كلامه، بل قال: "يا أمر الله، هويته تقول إنّ عمره اثنان وعشرون عامًا، ما علاقتي إذا كنت لا تريد أن تصدّق أنّ ابنك قد كبر؟! عندما ذهب المختار، تنفس والدي بعمق وقال: "يبدو أنه لا مفرّ من ذلك، اذهب وجهز نفسك، عليك الذهاب إلى التجنيد". وفي اليوم التالي، أظنّ أنّه كان الأوّل من شهر تموز م، يومها سرتُ مع اثنين من أبناء المحلة إلى المخفر، ومن هناك إلى مقر درك شيراز. فأرسلونا سريعًا لتلقّي دورة لمدة شهرين في "جهرم". وبعد انتهاء التدريب التحقنا بالفرقة المدرعة الثامنة لخوزستان، تسمّى حاليًا الفرقة 92 ، فأرسلونا من هناك إلى لواء دزفول 24 المدرع للخدمة العسكرية لمدة عامين.


حصلت معنا حوادث كثيرة في "جهرم"، لكن أكثرها إثارة هو ما حصل مع ضابط الصف لكتيبتنا. كان أستاذًا بارعًا في كيل الشتائم والكلام القبيح واللعن، بسببٍ ومن دون سبب، كان يبحث عن ذريعة ليُسمع الجنود كلامًا سيّئًا، بدا لنا كأنّه مَن اخترع الكلام البذيء والشتائم، كان فمه يلوك عبارات عجيبة غريبة ويطلقها، مما لم نسمعه من قبل. كان من ضواحي "جهرم"، له شارب كثيف، وشكل مفزع، ما إن تراه حتى تقشعرّ فزعًا منه. وكان يُتبع كلامه البذيء برفسة لا تذر لأحد. البداية بعد النهاية كرامة! أذكر تلك الأيام، فأكثر ما كان يسيطر على الشباب هو الجهل والابتذال. حينها كان التدريب يشكّل فرصة لتقويم السلوك الخاطئ، لكن ضابط الصف هذا بكلامه البذيء، أغلق تلك المنافذ. في ظهيرة أحد الأيام الحارّة، كنّا مجموعة من الجنود نتبادل الحديث، وإذ بضابط الصف يدخل المعسكر بدراجته الهوائية.


وما إن رآنا جالسين معًا حتى عبس وتقدّم نحونا، وقبل أن يتوقف رفع رجله عن الدراجة ليترجّل عنها، لعلّه فرّغ غضبه ببعض الشتائم، لكنّ حذاءه العسكري "البوتين" علق بسلسلة الدراجة فسقط وعلا صراخه بقوة. تلوّى حول نفسه كالثعبان المجروح، إلى أن وصلنا إليه، فرفعه الحراس، ونقلوه بسرعة نحو سيارة الجيب، وأخرجوه من المعسكر. في اليوم التالي، عند الاجتماع الصباحي، أُبلغنا أنّ مقود الدراجة أصاب عين الضابط اليمنى، مما اضطرهم إلى إبقائه في المستشفى. بعد عشرة أيام، انتهت الدورة التدريبية، وبدأت مراسم خاصة بالجنود، وقفنا بالصف لتسلّم رسائلنا، وإذ بضابط الصف يطلّ بعينه المضمّدة، ولكنّه ما لبث أن تسمّر في مكانه وأطال التحديق بنا جميعًا، كنّا ننظر إليه بدورنا، كان من الصعب علينا أن ننسى سلوكه المشين، لذلك صارعنا تردّدنا، هل نتقدم نحوه أم لا؟ وإذ بأحد الجنود يتحرك ويكسر جمود الموقف، تقدّم نحوه، فَلَحِقْنا به. عندما تحلّقنا حوله، قام بعض الجنود بتقبيله، حينها فقط لمحنا بضع قطرات دمع تسكبها عينه اليسرى!


في مدينة "دزفول"، لديّ ذكريات أيضًا عن عامين من الخدمة. البداية بعد النهاية العسكرية، ما زلت أخشى البوح عن أيامها. لم يكن التدريب العسكري القاسي والتمارين الشاقة سوى وسيلة لترقية الرتب العسكرية أكثر مما تنفع وتقوّي. عن ماذا أتحدّث؟ هل أتحدّث عن المنامات الموحشة والاستيقاظ ليلًا، والهموم التي لا تغادر الجنود أبدًا؟ لن أستطيع اتّهامهم بطريقة سيئة جدًا، فبذلك قد أجانب الإنصاف، لكن لم يصدر عنهم شيء يمكن أن أصفه بالحسن. ربما لم يكن الأمر بإرادتهم، فقد تلقّوا تربيةً عسكريةً خاصة جعلت من الجندي دابّة، يمكنهم أن يحمّلوا عليه ما يشاؤون.


من النادر أن تجد بينهم أحدًا ليّن الطبع، سهل العريكة. من الصعب جدًا أن تنسى المحتالين والمتملّقين هناك، الذين يرون كلّ مَنْ هم أعلى منهم آلهةً، وكل مَنْ دونهم درجة عبيدًا لا قيمة لهم. سأدع كل ذلك، وأكتفي بالإشارة إلى بعض الحوادث التي أظن أنها أدّت دورًا هامًا في تكوين نظرتي إلى المجتمع حولي وفي الجهاد الثوري. رافقتني صورة تلك البقع الحمراء إلى الخدمة العسكرية، لأذهب بحوادث عام م ومواجهات شيراز، التي أولدت داخلي وعيًا بما يدور حولي، وبتّ لا أصدّق كل ما يُقال ببساطة، بل كنت أدقّق أكثر في أي حدث. ففي الأيام الأولى، سمعنا أنّ عدة ناقلات جند أمريكية تمّ تسليمها إلى فرقة خوزستان، وإنّ أوّل نقطة لتجربتها هي لواء دزفول. بعد عدة أيام، شاهدنا ناقلة جند ملالة واحدة تدخل المعسكر من دون أن تتوقّى شيئًا، وتتخبّط كأنها لا تبصر أمامها، كما بدت كأنّ أحدًا. البداية بعد النهاية ما يطاردها، فقد اقتلعت في طريقها نصف الباب، وحملته معها. بعد عدة أيام من هذه الحادثة، أعلن قائد اللواء في المراسم الصباحية أنّ ضيفًا عزيزًا سيحلّ علينا من الولايات المتحدة الأمريكية، وعمّم علينا منع الخروج من المعسكر مدة أسبوع.


إنّه شاويش من الجيش الأمريكي جاء يشرف على وضع ناقلات الجند تلك. تعلّمنا خلال الدورة التدريبية أن الرتب والدرجات في العالم كله تتبع قانونًا واحدًا، وعلى صاحب أي رتبة أن يحترم من هو أعلى منه رتبة، في حين رأينا ذلك اليوم أنّ على ضباطنا أن يؤدوا التحية لشاويش! كانت هذه الإهانة سببًا لغضب ضباطنا طيلة الأسبوع. كان الجميع منزعجًا من جهل ذلك الشاويش الأمريكي وسلوكه المتكبّر. بعد أربعة أشهر من خدمتنا في المعسكر، سمعنا أنّ اثنتي عشرة طائرة مقاتلة وصلت إلى "قاعدة وحدتى الجوية" الملاصقة لمعسكرنا، لإجراء تجربة دفع الطيار إلى خارج الطائرة. أذكر أنهم قالوا أنها تعمل على ثلاثة أنظمة، وعليهم أن يحدّدوا أيّها أفضل. الأول، إطلاقه إلى الخارج بانفجار، والثاني، عبر رفاص دافع، والثالث، عبر الغاز. لكن ما حصل كان حادثًا مؤلمًا جدًا، لأنه لم تفتح أي من قمرات القيادة للطائرات الاثنتي عشرة، وقتل أربعة وعشرون. البداية بعد النهاية طيارًا ومساعد طيار من طيارينا. كان أمرًا مؤلمًا لنا، وصُدمنا بشدة حين اتضح لنا أننا أصبحنا حقلًا للاختبارات العسكرية الأمريكية. حينها أحضروا هواتف أمريكية، وتوليتُ بنفسي الخدمة على أحدها.


كان السبب زيارة شقيق الشاه للفرقة المدرعة، وقد يزور لواءنا أيضًا. فقدموا لنا مجموعة أسئلة وأجوبة جاهزة، أمرونا بحفظها خلال يومين لنتمكّن من الإجابة فورًا عندما تُطرح تلك الأسئلة. مثلًا، إذا سألوا: ما هو هذا الهاتف؟ علينا أن نجيب: إنه هاتف يدوي أمريكي يا سيدي، وقد تمّ شراؤه للجيش الملكي خاصة سيدي. كنا نشعر بالإهانة من تكرار تلك الكلمات: "سيدي، أمريكي" في كل الأجوبة، وكان ذلك يعذبنا، وحين علمنا أنّ أخا الشاه لن يأتي، حُلّت عقدة الجنود وصاروا يسخرون ويضحكون مع كل كلمة "سيدي" و"أمريكي". في أواخر مرحلة التجنيد أيضًا، أثناء الاصطفاف صباحًا، وخلال المراسم أخرجوا عدة سراويل أمريكية، واستعرضوها أمامنا، وتحدّثوا عن خصائصها.


تبادلنا نظرات التعجّب لأننا نعلم جيدًا أنها من نوع الملابس التي سنُجبر على تجربتها. بدأ ضابط الصحة بالتوضيح: إذا تعرّضت لجرح خلال المناورات عليك أن ترتدي هذا السروال، إلى أن تصل سيارة الإسعاف، وأن تُغلق السحاب إلى الأعلى حتى يضخ الدم من القسم. السفلي للبدن إلى القسم العلوي، بهذا الشكل تجري تغذية القلب بالدماء، لتتمكّن من الصمود لمدة ساعتين حتى تصل إلى المستشفى. وعندما أبلغنا. ذكريات حكت عن أحوال ومعنويات وبطولات استمدّت قوتها من وضوح الرؤية والعقيدة وقوة الايمان بالغيب والامتثال للتكليف وعشق الولاية. الاعدادات ×. تسجيل دخول تسجيل حساب. البريد الإلكتروني. كلمة المرور. إسم المستخدم. menu القائمة. الفيسبوك التويتر تليغرام واتساب إنستغرام غوغل بلس. الاقسام المعارف التعليمية الكتب الأجنبية الدروس الثقافية المنشورات الإصدارات الرقمية إصدارات جمعية المعراج لإقامة الصلاة إصدارات متنوعة إصدارات مركز مودة للثقافة الأسرية إصدارات جمعية النور لتعليم القراءة أمراء النصر والتحرير فكر الشهيد الصدر فكر الشهيد مطهري فكر الإمام الخميني فكر الإمام الخامنئي المؤتمرات والندوات الفكرية الأربعون حديثاً الفقه الموضوعي الكلمات القصار الآداب والسنن كيف ولماذا؟ الاجتماعيات الإسلامية أيها العزيز خطاب الولي الأعمال والمناسك الثقافة الإسلامية تراثيات إسلامية الغزو الثقافي من وصايا العلماء تنمية المهارات العلمية بين يدي القائم الأنشطة الصيفية أدب الدفاع المقدس سادة القافلة ريحانة المسابقات الثقافية الكتب التبليغية الكتب العاشورائية مشكاة النور كتاب مجلة بقية الله برامج المعارف الحياة الطيبة الدراسات والتقارير.


الصفحة الرئيسية سادة القافلة كتب التصنيف لقاء في فكة سيرة الشهيد حسن باقري غلامحسين أفشردي فتح الكتاب. جبهة فكة ذكريات الشهيد السيد محمد شكري فتح الكتاب. كان أُمَّة ذكريات مختارة من حياة الشهيد السيد محمد حسيني بهشتي فتح الكتاب. أمر النار بيدك ذكريات حكت عن أحوال ومعنويات وبطولات استمدّت قوتها من وضوح الرؤية والعقيدة وقوة الايمان بالغيب والامتثال للتكليف وعشق الولاية فتح الكتاب. الفصيل الأول - الجزء الثاني فتح الكتاب. الفصيل الأول - الجزء الأول فتح الكتاب. زقاق نقاشها فتح الكتاب. الروضة الحادية عشرة فتح الكتاب. دا - الجزء الثاني فتح الكتاب.


دا - الجزء الأول فتح الكتاب. نور الدين ابن ايران فتح الكتاب.



حصلت حفظها الله على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة ثم على بكالوريوس الدراسات الإسلامية — ماجيستير الفقه المقارن — ثم دكتوراه في الفقه المقارن بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى من الجامعة الإسلامية، الفرع الرئيسي بولاية منيسوتا بأمريكا، ودكتوراه في العقيدة الإسلامية…. تسعى أكاديمية هداية الدولية لتعليم الناشئين من جميع أنحاء العالم ما ينبغي لهم معرفته من الدين، وذلك من خلال دراسة العلوم الشرعية على منهج الصحابة -رضي الله عنهم- ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. تسعى أكاديمية هداية الدولية لتعليم الفتيات من جميع أنحاء العالم ما ينبغي لهن معرفته من الدين، وذلك من خلال دراسة العلوم الشرعية على منهج الصحابة -رضي الله عنهم- ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


In sha'Allah English Section الأكاديمية في أرقام  أكثر من ساعة عمل  أكثر من معلم ومعلمة مراحل الدراسة في أكاديمية الناشئين Z المرحلة الثالثة من سن اثني عشر عامًا إلى خمسة عشر عامًا. نبذة عن الدكتورة عزة الدكتورة عزة محمد رشاد نشأت بجمهورية مصر العربية، القاهرة-المهندسين. نبذة عن أكاديمية هداية الدولية للناشئين. نبذة عن أكاديمية هداية الدولية للفتيات. لزيارة الموقع الرسمي للدكتورة عزة محمد رشاد. اضغط هنا. Hedaya International Academy. The English section will be available soon. In sha'Allah. English Section. الأكاديمية في أرقام. مراحل الدراسة في أكاديمية الناشئين. المرحلة الثالثة من سن اثني عشر عامًا إلى خمسة عشر عامًا.


المرحلة الثانية من سن ثمانية أعوام إلى إحدى عشر عامًا. المرحلة الأولى من سن خمسة أعوام إلى سن سبعة أعوام. مراحل الدراسة في أكاديمية الفتيات. المستوى الرابع - قريبًا بإذن الله. المستوى الثالث. المستوى الثاني. المستوى الأول. الانضمام للأكاديمية. أخبار الأكاديمية. تابعونا علي مواقع التواصل الاجتماعي. روائع البيان في تدبر القرآن. قناة أكاديمية هداية للفتيات المستوى الأول. قناة أكاديمية هداية للفتيات المستوى الثاني. قناة أكاديمية هداية للفتيات المستوى الثالث. أكاديمية هداية للفتيات. أكاديمية هداية للناشئين. موقع الدكتورة عزة. صفحة الدكتورة عزة. قناة الدكتورة عزة. Pin It on Pinterest.



الموسوعة العقدية,

Webالهداية الثالثة - ذكريات محمد جعفر الأسدي حول الثورة الإسلامية والدفاع المقدس ؛ سادة القافلة - 16 لـ حميد سجادي منش (0) المرتبة: 5, تاريخ النشر: 11/12/ الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية النوع: ورقي غلاف عادي Webتفسير سورة الفاتحة من كتاب الهداية الى بلوغ " رَبَّتَه " بالتاء، أصله عندهم رَبَّبَهُ ثم أبدلوا من الباء الثالثة " ياء "، كما يقال، تقَضَّيْتُ " في " تَقَضَّضْتُ " ثم أبدلوا من الياء تاء Webهذه هي الرسالة الثالثة للإمام الغزالي المسماة "بداية الهواية" وهي يحق بداية هداية كل مبتدئ، وتذكره لكل سالك، فقد ذكر فيها: فضل العلم والإخلاص فيه، ثم أتبعها بالآداب المتعلقة بالعبادات والعادات، ثم أتبعها في تهذيب الباطن، ثم ذكر آداب الصحبة إذ الصاحب صاحب، والمرء Webالمرتبة الثالثة: الهداية المستلزمة للاهتداء، وهي هداية التوفيق، ومشيئة الله لعبده الهداية، وخلقه دواعي الهدى وإرادته والقدرة عليه في نفس العبد، وهذه الهداية التي لا يقدر عليها إلا الله عز Webتسعى أكاديمية هداية الدولية لتعليم الفتيات من جميع أنحاء العالم ما ينبغي لهن معرفته من الدين، وذلك من خلال دراسة العلوم الشرعية على منهج الصحابة -رضي الله عنهم- ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين Webالمرتبةُ الثالثةُ: الهدايةُ المُستَلزِمةُ للاهتداءِ، وهي هدايةُ التوفيقِ ومَشيئةُ اللهِ لعَبدِه الهدايةَ، وخلْقُه دواعيَ الهُدى وإرادتَه والقُدْرةَ عليه للعبدِ، وهذه الهدايةُ التي لا ... read more



ذكر معنى جميع ذلك ابن كيسان في كتابه في تفسير القرآن وإعرابه ومعانيه. وإنما قدم ﴿نَعْبُدُ﴾ على ﴿نَسْتَعِينُ﴾ وقد علم أن الاستعانة قبل العبادة، والعمل لا يقوم إلا بعون الله، لأن العبادة لا سبيل إليها إلا بالمعونة، والمعان على العبادة لا يكون إلا عابداً. بناءً على ذلك، وبعد عدة أيام أبلغوني أنّ بإمكانهم وضع مصابيح، ترسل أضواءً متقطّعة لتحلّ المشكلة، وأحضروا نموذجًا، غير أنه بعد الدراسة تبيّن أنّها تعاني من مشكلتين: الأولى، أنها كبيرة، والثانية: يصعب تشغيلها على البطاريات خلال الهجوم. السعودية، ومن هناك إلى دبي، ثم إلى سوريا. تلّة جاويدي وسرّ اشلو فتح الكتاب. تحمل اللسع لتذوق العسل.



في اليوم التالي، ذهبت برفقة المختار وأحد أبناء المحلة، الذي كان عمره أدنى من العمر المذكور في بطاقة الهوية أيضًا، إلى مركز التجنيد الإجباري. من آية. بعد الهداية الثالثة بأربعة أيام، لم أجد ما يبرّد حزني سوى التوجّه إلى "سبز بوشان" 1 ابن الامام المدفون عند قمة جبل "زيبا" 2 في جنوب شرق شيراز. لقد كانت أصعب لحظات خمس سنوات من الدفاع المقدس في نظري. واختلف في قول الهداية الثالثة إياها عن مالك. للحاسوب للأندرويد للآيفون, الهداية الثالثة. فيما بعد، رأيت إجازة اجتهاده بخط آية الله الخوئي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة